سورة الكهف - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


قلت: {قَيّمًا}: حال من الكتاب، والعامل فيه: {أنزل}، ومنعه الزمخشري؛ للفصل بين الحال وذي الحال، واختار أن العامل فيه مضمر، تقديره: جعله قيّمًا، و {لينذر}: يتعلق بأنزل، أو بقيّمًا. والفاعل: ضمير الكتاب، أو النبي صلى الله عليه وسلم، و {بأسًا}: مفعول ثان، وحذف الأول، أي: لينذر الناس بأسًا، كما حذف الثاني من قوله: {ويُنذر الذين قالوا...} الخ؛ لدلالة هذا عليه، و{مِن عِلْم}: مبتدأ مجرور بحرف زائد، أو فاعل بالمجرور؛ لاعتماده على النفي، و {كلمة}: تمييز.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {الحمدُ لله} أي: الثناء الجميل حاصل لله، والمراد: الإعلام بذلك؛ للإيمان به، أو الثناء على نفسه، أو هما معًا. ثم ذكر وجه استحقاقه له، فقال: {الذي أَنزل على عبده الكتابَ} أي: الكتاب الكامل المعروف بذلك من بين سائر الكتب، الحقيق باختصاص اسم الكتاب، وهو جميع القرآن. رتَّب استحقاق الحمد على إنزاله؛ تنبيهًا على أنه أعظم نعمائه، وذلك لأنه الهادي إلى ما فيه كمال العباد، والداعي إلى ما به ينتظم صلاح المعاش والمعاد.
وفي التعبير عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالعبد، مضافًا إلى ضمير الجلالة تنبيه على بلوغه صلى الله عليه وسلم إلى معاريج العبادة وكمال العبودية أقصى غاية الكمال، حيث كان فانيًا عن حظوظه، قائمًا بحقوقه، خالصًا في عبوديته لربه.
{ولم يجعلْ له} أي: للكتاب {عِوَجًا}؛ شيئًا من العوج، باختلافٍ في اللفظ، وتناقض في المعنى، وانحراف في الدعوة. قال القشيري: صانه عن التناقض والتعارض، فهو كتابٌ عزيزٌ من ربِّ عزيز، ينزل على عَبْدٍ عزيز.
قَيّمًا: مستقيمًا متناهيًا في الاستقامة، معتدلاً لا إفراط فيه ولا تفريط، فهو تأكيد لما دل عليه نفي العوج، مع إفادته كون ذلك من صفاته الذاتية، حسبما تُنبئ عنه الصيغة. أو قَيّمًا بالمصالح الدينية والدنيوية للعباد، على ما ينبئ عنه ما بعده من الإنذار والتبشير، فيكون وصفًا له بالتكميل، بعد وصفه بالكمال، أو: قَيّمًا على ما قبله من الكتب السماوية، وشاهدًا بصحتها ومهيمنًا عليها. {ليُنذر}: ليُخوّف اللهُ تعالى به، أو الكتاب، والأول أوْلى؛ لتناسب المعطوفين بعده، أي: أنزل الكتاب لينذر بما فيه الذين كفروا {بأسًا}: عذابًا {شديداً من لدنه} أي: صادرًا من عنده، نازلاً من قِبَله، في مقابلة كفرهم وتكذيبهم.
{ويُبشِّر} بالتشديد والتخفيف، {المؤمنين}: المصدقين به، {الذين يعملون} أي: العُمال {الصالحاتِ} التي تَنْبَثُّ في تضاعيفه {أنَّ لهم} أي: بأن لهم في مقابلة إيمانهم وأعمالهم {أجرًا حسنًا}، هو الجنة وما فيها من المثوبات الحسنى، {ماكثين فيه} أي: في ذلك الأجر {أبدًا} على سبيل الخلود. والتعبير بالمضارع في الصلة- أعني: الذين يعملون-؛ للإشعار بتجدد الأعمال الصالحات واستمرارها، وإجراء الموصول على الموصوف بالإيمان؛ إيماءً بأن مدار قبول الأعمال هو الإيمان.
وتقديم الإنذار على التبشير؛ لإظهار كمال العناية بزجر الكفار عما هم عليه، مع مراعاة تقديم التخلية على التحلية. وتكرير الإنذار بقوله تعالى: {ويُنذرَ الذين قالوا اتخذ اللهُ ولدًا}: متعلق بفرقة خاصة، ممن عمَّهُ الإنذار السابق، من مستحقي البأس الشديد؛ للإيذان بكمال فظاعة حالهم، لغاية شناعة كفرهم وضلالهم، أي: وينذر، من بين سائر الكفرة، هؤلاء المتفوهين بمثل هذه القولة العظيمة، وهم كفار العرب الذين قالوا: الملائكة بنات الله، واليهود القائلون: عزير ابن الله، والنصارى القائلون: المسيح ابن الله.
{ما لهم به من عِلْمٍ} أي: ما لهم باتخاذه الولد شيء من علم أصلاً؛ لضلالهم وإضلالهم، {ولا لآبائهم} الذين قلدوهم، فتاهوا جميعًا في تيه الجهالة والضلالة، أو: ما لهم علم بما قالوا، أصواب أم خطأ، بل إنما قالوه؛ رميًا بقولٍ عن عمى وجهالة، من غير فكر ولا روية، كقوله تعالى: {وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعَام: 100]. أو: ما لهم علم بحقيقة ما قالوا، وبعِظَم رتبته في الشناعة، كقوله تعالى: {وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} [مريَم: 88-90]، وهو الأنسب لقوله: {كَبُرتْ كلمةٌ} أي: عظمت مقالتهم هذه في الكفر والافتراء؛ لما فيها من نسبته سبحانه إلى ما لا يكاد يليق بجناب كبريائه؛ لما فيه من التشبيه والتشريك، وإيهام احتياجه تعالى إلى ولد يُعينه ويخلفه. فما أقبحها مقالة {تخرج من أفواههم} أي: يتفوهون بها من غير حقيقة ولا تحقيق لمعناها، {إن يقولون إِلا كذبًا}: ما يقولون في ذلك إلا قولاً كذبًا، لا يكاد يدخل فيه إمكان الصدق أصلاً.
الإشارة: من كملت عبوديته لله، وصار حُرًّا مما سواه، بحيث تحرر من رق الأكوان، وأفضى إلى مقام الشهود والعيان، أنزل الله على قلبه علم التحقيق، وسلك به منهاج أهل التوفيق، منهاجًا قيمًا، لا إفراط فيه ولا تفريط، محفوظًا في باطنه من الزيغ والإلحاد، وفي ظاهره من الفساد والعناد، قد تولى الله أمره وأخذه عنه، فهو على بينة من ربه فيما يأخذ ويذر. فإن أَذِنَ له في التذكير وقع في مسامع الخلق عبارتُه، وجليت إليهم إشارته، فبَشَّر وأنذر، ورغّب وحذّر، يُبشر أهل التوحيد والتنزيه بنعيم الجنان، وبالنظر إلى وجه الرحمن، ويُنذر أهل الشرك بعذاب النيران، وبالذل والهوان، نعوذ بالله من موارد الفتن.


قلت: {أسفًا}: مفعول من أجله لباخع، أو حال، أي: متأسفًا، وجواب إن: محذوف، أي: إن لم يؤمنوا فعلك باخع نفسك.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {فلعلك} يا محمد {باخعٌ}: مهلك {نفسَك} وقاتلها بالغم والأسف على تخلف قومك عن الإيمان وفراقهم عنك، {على آثارهم} إذا تولوا عنك، عندما تدعوهم إلى الله. شبهه، لأجل ما تداخله من الوجد على توليتهم، بمن فارقته أعزته، وهو يتحسر على آثارهم، ويبخع نفسه وجدًا عليهم. {إِن لم يُؤمنوا بهذا الحديث} أي: القرآن الذي عبّر عنه في صدر السورة بالكتاب، صدر ذلك منك {أسفًا} أي: بفرط الحزن والتأسف عليهم.
ثم علّل وجه إدبارهم عن الإيمان، وهو اغترارهم بزهرة الدنيا، فقال: {إِنا جعلنا ما على الأرض}؛ من الأشجار والأزهار والثمار، وما اشتملت عليه من المعادن، وأنواع الملابس والمطاعم، والمراكب والمناكح، {زينةً لها} أي: مبهجة لها، يستمتع بها الناظرون، وينتفعون بها مأكلاً وملبسًا، ونظرًا واعتبارًا، حتى إن الحيّات والعقارب؛ من حيث تذكيرها بعذاب الآخرة، من قبيل المنافع، بل كل حادث داخل تحت الزينة من حيثُ دلالته على الصانع، وكذلك الأزواج والأولاد، بل هم من أعظم زينتها، داخلون تحت الابتلاء. جعلنا ذلك {لنبلوهم}: لنختبرهم، حتى يظهر ذلك للعيان، {أيُّهم أحسنُ عملاً}، أيهم أزهد فيها، وأقبلهم على الله بالعمل الصالح؛ إذ لا عمل أحسن من الزهد في الدنيا؛ إذ هو سبب للتفرغ لأنواع العبادة، بدنية وقلبية.
قال أبو السعود: وحسن العمل: الزهد فيها، وعدم الاكتراث بها، والقناعة باليسير منها، وصرفها على ما ينبغي، والتأمل في شأنها، وجعلها ذريعة إلى معرفة خالقها، والتمتع بها حسبما أذن الشرع، وأداء حقوقها، والشكر على نعمها، لا جعْلها وسيلة إلى الشهوات، والأغراض الفاسدة، كما يفعله الكفرة وأهل الأهواء... انظر بقية كلامه.
{وإِنا لجاعلون ما عليها}؛ عند تناهي الدنيا؛ {صعيدًا جُرُزًا} أي: ترابًا يابسًا، لا نبات فيه، بعدما كان يَتَعجب من بهجته النظارُ، ويتشرف بمشاهدته الأبصار، فلا يغتر بما يذهب ويفنى إلا من لا عقل له، فلا تستغرب إدبارهم، إذ لا عقل لهم.
ويحتمل أن يكون تسليةً للنبي صلى الله عليه وسلم؛ من حيث إنه أرشده إلى شهود تدبير الحق، فيسلو، بذلك عن إعراضهم؛ لغيبته في المصور المدبر عن الصور، وعن الزينة في المُزَيِّن فالكون مظهر الصفات ومرآتها، ويغيب في الذات- التي هي معدنها- بإفناء الظاهر، وإفناء الأفعال، كما نبّه عليه بقوله: {وإِنا لجاعلون...} إلخ.
الإشارة: الخصوصية- من حيث هي- لها بداية ونهاية، فمن شأن أهل بدايتها: الحرص على الخير لهم ولعباد الله، فيتمنون أن الناس كلهم خصوص أو صالحون، فإذا رأوا الناس أعرضوا عنها تأسفوا عليهم، وإذا أقبلوا عليهم فرحوا من أجلهم، زيادة في الهداية لعباد الله، فإذا تمكنوا منها ورسخت أقدامهم فيها، وحصل لهم الفناء الأكبر، لم يحرصوا على شيء، ولم يتأسفوا من فوات شيء، لهم ولغيرهم.
وقد يتوجه العتاب لهم على الحرص في بدايتهم؛ تكميلاً لهم، وترقية إلى المقام الأكمل.
وقوله تعالى: {إنا جعلنا ما على الأرض...} إلخ، هو حكمة تخلف الناس عن الخصوصية، حتى يتميز الطالب لها من المعرض عنها، فمن أقبل على زينة الدنيا وزهرتها، فاتته الخصوصية، وبقي من عوام الناس، ومن أعرض عنها وعن بهجتها، وتوجه بقلبه إلى الله، كان من المخصوصين بها، المقربين عند الله.
وهذا هو أحسن الأعمال التي اختبر الله به عباده بقوله: {لنبلوهم أيهم أحسن عملاً}، وفي الحديث: «الدنيا مال مَنْ لاَ مَالَ لَه، لَهَا يَجْمَعُ مَنْ لاَ عَقْلَ لَه. وعليها يُعَادِي مَنْ لاَ عِلْمَ عِنْدَه» وفي الزهد والترغيب أحاديث كثيرة مفردة بالتأليف، وبالله التوفيق.


قلت: {أم}: منقطعة مقدرة ببل، التي هي للانتقال من حديث إلى حديث، لا للإبطال، والهمزة: للاستفهام عند الجمهور، وبمعنى بل، فقط، عند غيرهم، و{عجبًا}: خبر كان، و{من آياتنا}: حال منه، و{إذ أوى}: ظرف لعجبًا، لا لحَسِبَْتَ، أو مفعول اذكر، أي: اذكر هذا الوقت العجيب، وهو حين التجأ الفتية إلى الكهف، و{لنا} و{مِنْ أمرنا}: يتعلق ب {هيئ}، و{أيّ الحزبين}: معلق لنعلم عن المفعولين؛ لما فيه من معنى الاستفهام، وهو مبتدأ، و {أحصى}: خبره، وهو فعل ماضٍ، و{أمدًا}: مفعوله.
و{لِما لبثوا}: حال منه، أو مفعول {أحصى}، واللام زائدة، و{ما}: موصولة، و{أمدًا}: تمييز، وقيل: {أحصى}: اسم تفضيل، من الإحصاء بحذف الزوائد، و{أمدًا}: منصوب بفعل دل عليه أحصى، أي: يحصى كقوله:
وَأَضْرَبَ مِنَّا بالسُّيُوفِ القَوَانِسَا ***
لأن اسم التفضيل لا ينصب المفعول به، إجماعًا، ويجوز أن يكون تمييزًا بعد اسم التفضيل.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {أم حَسِبْتَ} أي: ظننت يا محمد، والمراد: حسبان أمته {أنَّ أصحابَ الكهف}، وهو الغار الواسع في الجبل. واختُلف في موضعه؛ فقيل: بقرب فلسطين، وقيل: بالأندلس بمقربة من لوشة في جهة غرناطة. وذكر ابن عطية أنه دخل كهفهم، وفيه موتى، ومعهم كلبهم، وعليهم مسجد، وقريب منه بناء يقال له الرَّقِيم، قد بقي موضع جدرانه، وفي تلك الجهة آثار يقال لها: مدينة دقيوس، والله أعلم. وقال ابن جزي: ومما يُبعد ذلك ما رُوي أن معاوية مرَّ عليهم، وأراد الدخول إليهم ولم يدخل، هيبةً، ومعاوية لم يدخل الأندلس قط، وأيضًأ: فإن الموتى في لَوْشة يراهم الناس، ولا يدرك أحد الرعب الذي ذكر الله في أهل الكهف. اهـ.
والمشهور: أن الرقيم هو اللوح المكتوب فيه أسماؤهم وأنسابهم، وكان جُعِل ذلك الكتاب في خزانة الملك، وهو لوح من رصاص أو حجر، أمر بكتب أسمائهم فيه لما شكا قومُهم فقْدَهم. وقيل: اسم كلبهم.
أي: أظننت أنهم {كانوا} في قصتهم {من} بين {آياتنا عَجَبًا} أي: كانوا عجبًا دون باقي آياتنا، ليس الأمر كذلك. والمعنى: أن قصتهم، وإن كانت خارقة للعادة، ليست بعجيبة، بالنسبة إلى سائر الآيات التي من تعاجيبها ما ذكر من خلق الله تعالى على الأرض، من الأجناس والأنواع الفائتة الحصر من مادة واحدة، بل هي عندها كالنزر الحقير. وقال القشيري: أزال موضع الأعجوبة من أوصافهم، بما أضاف إلى نفسه بقوله: {من آياتنا}، وقَلْبُ العادةِ مِنْ قِبَلِ اللهِ غيرُ مُسْتَنْكَرٍ ولا مُبْتَدَعٍ. اهـ.
ثم ذكر أول قصتهم، فقال: {إِذْ أوى الفتيةُ}: جمع فتى، وهو الشاب الكامل، أي: اذكر حين التجأ الفتية إلى الكهف، هاربين بدينهم، خائفين على إيمانهم من كفار قومهم، ورأسهم دقيانوس، على ما يأتي في قصتهم.
{فقالوا}؛ حين دخلوا الغار: {ربَّنا آتنا من لدُنك}؛ من مستبطن أمورك وخزائن رحمتك الخاصة المكنونة عن أعين العادات، {رحمةً} خاصة تستوجب الرفق والأمن من الأعداء، {وَهَيِّئ}: أصلح {لنا من أمرنا} الذي نحن عليه من مفارقة الكفار ومهاجرتهم، {رَشَدًا}: هداية نصير بها راشدين مهتدين، أو: اجعل أمرنا كله رشدًا وصوابًا، كقولك: لقيت منك أسدًا، فتكون من باب التجريد، أو: إصابة للطريق الموصل إلى المطلوب، وأصل التهيئة: إحداث هيئة الشيء.
{فَضَرَبْنَا على آذانهم} أي: أَنَمْنَاهُمْ، شبَّه الإنامة الثقيلة المانعة من وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها، وتخصيص الآذان بالذكر مع اشتراك سائر المشاعر لها في الحَجْب عن الشعور عند النوم؛ لأنها تحتاج إلى الحجب أكثر، إذ هي الطريقة للتيقظ غالبًا. والفاء في {فضربنا}: مثلها في قوله: {فاستجبنا لَهُ} [الأنبياء: 90]، بعد قوله: {إِذ نادى}، فإنَّ الضرب المذكور، وما ترتب عليه من التقليب ذات اليمين وذات الشمال، والبعث، وغير ذلك، إيتاءُ رحمةٍ لَدُنِّيَّةٍ خفيةٍ عن أبصار المستمسكين بالأسباب العادية؛ استجابة لدعوتهم، أي: فاستجبنا لهم وأَنَمْناهم، {في الكهف سنينَ عددًا} أي: ذوات عدد، أو تُعَدُّ عددًا، أو معدودة، ووصْف السنين بذلك: إمَّا للتكثير، وهو الأنسب بكمال القدرة، أو التقليل، وهو الأليق بمقام إنكار كون القصة عجبًا من سائر الآيات العجيبة؛ فإن مدة لبثهم كبعض يوم عنده تعالى.
{ثم بعثناهم}؛ أيقظناهم من تلك النومة الشبيهة بالموت، {لنعْلَمَ} علم مشاهدة، أي: ليتعلق علمنا تعلقًا حاليًّا كتعلقة أولاً تعلقًا استقباليًّا، {أيُّ الحزبين}: الفريقين المختلفين في مدة لبثهم المذكور في قوله: {قالوا لبثنا يومًا...} إلخ، {أحْصَى} أي: أضبط {لِما لَبِثُوا}: للبثهم، {أمدًا} أي: غاية، فيظهر بذلك عجزهم، ويُفوضوا ذلك إلى العليم الخبير، ويتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم، من حفظ أبدانهم وأديانهم، فيزدادوا يقينًا بكمال قدرته وعلمه، وليتيقنوا به أمر البعث، ويكون ذلك لطفًا بمؤمني زمانهم، وآية بينة لكفارهم، وعبرةً لمن يأتي بعدهم، فهذه حِكَمُ إيقاظهم بعد نومهم، والله عليم حكيم.
الإشارة: عادته تعالى فيمن انقطع إليه بكليته، وآوى إلى كهف رعايته، وآيس من رفق مخلوقاته، أن يكلأه بعين عنايته، ويرعاه بحفظ رعايته، ويُغَيِّبَ سمع قلبه عن صوت الأكدار، ويصون عين بصيرته عن رؤية الأغيار، حين انحاشوا إلى حِمى رحمته المانع، وتظللوا تحت ظل رشده الواسع. وبالله التوفيق.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8